القول في تأويل قوله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ( 224 ) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( 225 ) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( 226 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( 227 ) )
يقول تعالى ذكره : والشعراء يتبعهم أهل الغي لا أهل الرشاد والهدى .
واختلف أهل التأويل في الذين وصفوا بالغي في هذا الموضع فقال بعضهم : رواة الشعر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسن بن يزيد الطحان ، قال : ثنا إسحاق بن منصور ، قال : ثنا قيس ، عن يعلى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; وحدثني أبو كريب ، قال : ثنا طلق بن غنام ، عن قيس ; وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن يعلى بن النعمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) قال : الرواة .
وقال آخرون : هم الشياطين . [ ص: 416 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) : الشياطين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( يتبعهم الغاوون ) قال : يتبعهم الشياطين .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عكرمة ، في قوله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) قال : عصاة الجن .
وقال آخرون : هم السفهاء ، وقالوا : نزل ذلك في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) . . . إلى آخر الآية ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والآخر من قوم آخرين ، وأنهما تهاجيا ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، وهم السفهاء ، فقال الله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والآخر من قوم آخرين ، تهاجيا ، مع كل واحد منهما غواة من قومه ، وهم السفهاء .
وقال آخرون : هم ضلال الجن والإنس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : [ ص: 417 ] ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) قال : هم الكفار يتبعهم ضلال الجن والإنس .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) قال : الغاوون المشركون .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال فيه ما قال الله جل ثناؤه : إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ، ومردة الشياطين ، وعصاة الجن ، وذلك أن الله عم بقوله : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) فلم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض ، فذلك على جميع أصناف الغواة التي دخلت في عموم الآية . قوله : ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) يقول تعالى ذكره : ألم تر يا محمد أنهم ، - يعني الشعراء - في كل واد يذهبون ، كالهائم على وجهه على غير قصد ، بل جائرا على الحق ، وطريق الرشاد ، وقصد السبيل .
وإنما هذا مثل ضربه الله لهم في افتنانهم في الوجوه التي يفتنون فيها بغير حق ، فيمدحون بالباطل قوما ويهجون آخرين كذلك بالكذب والزور .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) يقول : في كل لغو يخوضون .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( في كل واد يهيمون ) قال : في كل فن يفتنون .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( ألم تر أنهم في كل واد ) قال : فن ( يهيمون ) قال : يقولون .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( في كل واد يهيمون ) قال : يمدحون قوما بباطل ، ويشتمون قوما بباطل .
وقوله : ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) يقول : وأن أكثر قيلهم باطل وكذب .
كما حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) يقول : أكثر قولهم يكذبون .
وعني بذلك شعراء المشركين . [ ص: 418 ]